تبني الدارجة أو الأورام التي تظهر كلما قلت المناعة
تبني الدارجة أو الأورام التي تظهر كلما قلت المناعة في الدعوة إلى تبني الدارجة في المدرسة المغربية
عبد الغني التايك باحث تربوي
قد تبدو الدعوة إلى اعتماد الدارجة المغربية داخل الفصول الدراسية في ظاهرها انحيازا للخصوصية المغربية على اعتبار أنها أداة سهلة للتواصل، لكن تحديد هذه الدارجة ليس بالأمر الهين ، خصوصا وأن الدارجة تختلف من منطقة لأخرى في صيغها التركيبية والدلالية، فالدارجة المغربية في منطقة تافيلات مثلا ليست هي الدارجة نفسها في بلاد جبالة أو دكالة أوغيرهما من الجهات ، خاصة وأن أقرب صيغة من صيغ الدارجة في المغرب على مستوى التركيب والمعجم إلى اللغة العربية الفصيحة هي تلك الموجودة في منطقة تافيلالت والأقاليم الصحراوية الجنوبية المغربية – الحسانية –
( وهذا موضوع يطول شرحه ويجد تفسيره ربما في العزلة الجغرافية لهاتين المنطقتين ) .
1 - الخطاب المأزوم أو الأورام التي تظهر كلما قلت المناعة :
إن ورم الدعوة إلى اعتماد الدارجة ليس بالجديد على ساحة النقاش الفكري لدى العرب ، فقد بدأت هذه الدعوة في أواخر سنة 1881م حين اقترح فارس نمر صاحب صحيفة "المقتطف" كتابة العلوم باللغة التي يتكلمها الناس في حياتهم العامة، ودعا رجال الفكر إلى بحث اقتراحه ومناقشته، ثم هاجت المسألة مرة أخرى في أوائل سنة 1902م حين ألَّف أحد قضاة محكمة الاستئناف الأهلية الانجليز في مصر – القاضي ولمور – كتابًا بالعامية المصرية سمَّاه لغة القاهرة، وضع لها فيه قواعد، واقترح اتخاذها لغة للعلم والأدب، فحملتْ عَلَيْهِ الصحف آنذاك، وفي ذلك الوقت كتب حافظ إبراهيم قصيدته المشهورة، التي يقول فيها، مُتَحدّثًا بِلِسان اللغة العربية : رَجَعْتُ لِنَفْسِي فَاتَّهَمْتُ حَصَاتِي وَنَادَيْتُ قَوْمِي فَاحْتَسَبْتُ حَيَاتِي
رمَوْنِي بِعُقْمٍ فِي الشَّبَابِ وَلَيْتَنِي عَقِمْتُ فَلَمْ أَجْزَعْ لِقَوْلِ عُدَاتِي
وقد اتضح فيما بعد أن تلك الدعوة يكمن وراءها ما يكمن من الدوافع السياسية، تحت غطاء الخصوصية المصرية ذات الأصول "الفرعونية"
ولم يكن المغرب العربي غائبا عن هذه الدعوة؛ فقد أصبحت اللغة العربية لغة ثانية بعد الفرنسية لغة المستعمر، وجاء في تقرير أعدته لجنة العمل المغربية الفرنسية: إنَّ أول واجبٍ في هذا السبيل هو التقليل من أهمية اللغة العربية، وصرف الناس عنها، بإحياء اللهجات المحلية واللغات العامية في شمال إفريقيا (الاتجاهات الوطنية في الشعر العربي المعاصر ، لمحمد محمد حسين، ج 2 ص365).
لقد كان الهدف واحدا من هذه الدعوة ، وان اختلفت الظروف والأشخاص والحيثيات ، وهو محاربة الفصحى والتخلُّص منها، فهم تارة يدعون إلى العامِّيَّة دعوة صريحة، وهم تارة أخرى يدعون إلى التوسط بين الفصحى والعامية ( اللغة الوسطى ) ، وتارة يدعون إلى فتح باب التطور في اللغة، وتارة يدعون إلى إسقاط أبواب معينة من النحو، أو تعديل بعض قواعده ، فإذا لم يوفقوا في شيء من ذلك اكتفوا بالدعوة إلى دراسة اللهجات العامية، وحصر مفرداتها وأساليبها ووضع القواعد والمعاجم لضبطها وإحصائها، متدرعين في ذلك بصعوبة اللغة العربية وتعقيدها .
2 - بعض معيقات تطوير الأداء اللغوي العربي في المدرسة المغربية :
وبعيدا عن أسلوب وأهداف منافحة بعض التنظيمات والأحزاب السياسية عن اللغة العربية ، وبعيدا عن الربط بين اللغة والقيم الدينية التي تحملها ، فان تدريس اللغات في المدرسة الابتدائية المغربية يعاني من عدة اختلالات بنيوية غير مرتبطة بطبيعة اللغات ودرجة تعقيدها بل بالواقع الموضوعي والميكانيزمات التي تتحكم في سير عمل المؤسسة التربوية نفسها ،والتي يمكن إجمال بعض تمظهراتها في:
- إن التواصل في نسبة كبيرة داخل الفصول الدراسية يتم بالدارجة وهذا واقع لا يمكن لجاحد أن ينكره .
- إن النصوص القرائية المعتمدة في مادة اللغة العربية في مجملها لا تساعد على تغميس المتعلم في معين اللغة و لا تتفتح لديه أفاقا لعشق اللغة والنصوص الأدبية .
- إن الربط القسري بين النصوص القرائية والظواهر التركيبية والصرفية المدرَسة والتصرف القسري في تلك النصوص يًفقد تلك النصوص جاذبيتها ويجعلها مًنفرة ومًعقدة .
- ضعف الميزانية المرصودة لتطوير تدريس اللغة العربية وعدم إخراج المجلس الأعلى للغات إلى حيز الوجود وأكاديمية محمد السادس للغة العربية .
- طبيعة النظام التعليمي الذي يهمش اللغة العربية بالنسبة للتخصصات العلمية ابتداء من الثانوي التأهيلي وانحصار معاملها بالمقارنة مع المواد الاخرى .
- ضعف التكوين الأكاديمي للأساتذة في اللغة العربية في النظام التعليمي .
- محدودية الأنشطة غير الصفية ( الموازية ) في المدرسة المغربية وما يترتب عن ذلك من رتابة في تقديم المادة اللغوية المقررة .
- ضعف الأنشطة المبنية على التواصل الشفهي نتيجة اكتظاظ الفصول .
- ضعف انخراط شعبة اللغة في الكليات المغربية في تطوير اللغة المدرسية وعدم انفتاحها على الأسلاك التعليمية المدرسية الثلاث .
- ضعف مشاركة الإعلام المرئي المغربي في خلق نموذج لغوي حريَ بالتبني .
3 – الحول اللغوي أو ما هكذا تورد الإبل يا سعد :
إن الدعوة إلى تبني الدارجة في الفصول الدراسية وفي مرحلة التعليم الأولي دعوة تنم عن جهل بأدوار و وظيفة المدرسة كمؤسسة للتنشئة الاجتماعية . ذلك أن المدرسة لا تروم بناء المعارف المدرسية وحدها بل هناك أبعاد أخرى لشخصية المتعلم لا بد من بنائها قصد تحقيق الكفايات اللغوية .
وهي دعوة في تقديري تعبر عن ضيق زاوية النظر لدى دعاتها، فالعيب ليس في اللغة بل في طريقة تدريسها وتكوين مدرسيها والأفاق التي يمكن أن تخلق لمتعلميها في ظل سيطرة نخبة فرانكوفونية على عالم المال والأعمال ( فهل حاولت الابناك مثلا الانفتاح على اللغة العربية ولو عبر ترجمة العقود المبرمة مع الزبناء أو شركات التأمين .....؟؟؟) .
إن هذه الدعوة تبين عدم إدراك دعاتها ما قد يؤول إليه مصير أجيال والدفع بهم نحو المجهول وغياب وعي استراتيجي يستحضر البعد الهوياتي والثقافي المغربي ، بل هي في تقديري دعوة إلى القفز نحو المجهول .
إن وضع اللغة العربية الفصحى في المغرب لا يختلف عن وضعها في كل البلدان العربية الأخرى ، كونها لا تستعمل في التواصل الشفهي خارج المدرسة ، وهذا الوضع ليس شاذا ولا ينحصر في استعمال اللغة العربية وحدها، بل هو عام يميز جميع اللغات العالمية كالإنجليزية والصينية و الإسبانية والفرنسية وغيرها من اللغات . وهذه الازدواجية الظاهرية بين اللغة الدارجة المستعملة شفهيا واللغة الفصحى المستعملة كلغة مدرسية وفي الكتابة والنشر ، لا تستدعي تبني فكرة طائشة تسعى إلى هدم كل ما تم بناؤه دون توفير بدائل باستطاعتها الصمود وتقديم إجابات للإشكال اللغوي داخل الفصول الدراسية المغربية .
إن اللغة المدرسية لا يمكن قياسها بلغة الإشهار مثلا المبنية على ثقافة الاستهلاك واستحضار جيب المستهلك وقولبة الخطاب قصد التأثير الآني ، بل هي لغة حبلى بالقيم وتستحضر البعد الهوياتي ومرتبطة بطبيعة المدرسة نفسها المتسمة بالمحافظة على تلك القيم وعلى الأبعاد المكونة لشخصية المواطن .
الجمعة يوليو 07, 2017 2:06 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» مفارقات غريبة وعجيبة في قطاع التعليم بالمغرب
الأربعاء يوليو 05, 2017 4:36 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» نقط سوداء في مدارس المغرب .. أقسام محشورة وأوقات مهدورة
الإثنين يوليو 03, 2017 3:12 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» الذلّقراطية والقابلية للإستحمار
الجمعة يونيو 30, 2017 1:00 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» بلاغ النقابة الوطنية للتعليم CDT حول الحركة الانتقالية الوطنية
الخميس يونيو 29, 2017 5:23 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» ما معنى اقتطاع agios ؟
الخميس يونيو 29, 2017 1:35 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» مجلس جطو يُعَري المدرسة العمومية .. اكتظاظ وأساتذة "سلايْتيّة"
الخميس يونيو 22, 2017 2:59 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» حصاد: توقيع محاضر الخروج لهذا الموسم يوم 28 يوليوز المقبل
السبت يونيو 17, 2017 5:46 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» أخطر ما تنوي وزارة التعليم القيام به في المستقبل المتوسط: هام جدا
الأحد يونيو 11, 2017 3:22 pm من طرف Mohammed TAMESNA