اللغة واللعبة الكبرى!
حسن بويخف
تصلح قصة اللغة في المغرب موضوعا لأحد أفلام الرعب الأمريكية. حيث يفرض على "ضعفاء" محتجزين في جزيرة معزولة أن يصارعوا، مقابل "وعد" بالحرية، ضد نظام إجرامي مجهز بأحدث الأسلحة وأعقد أجهزة المراقبة والرصد. وفي الوجه الآخر من "لعبة الموت" يطرح الأمر للعموم على أنه مجرد "لعبة رهان" يفوز المراهن على البطل بالجائزة الكبرى والتي لن تكون سوى نسبة هزيلة مما جمعه المستثمرون في الموت الواقفون خلف الجدران. وتظهر اللعبة للعموم على أن الانتصار فيها يكون عن جدارة واستحقاق، وأنها مبنية على "قواعد" نزيهة وشفافة وديمقراطية...، غير أنها في الواقع تتأسس على فن الغش عبر فخاخ لا يرى فيها "المتفرجون" و" المراهنون على الموت" سوى مشاهد الإثارة و"التشويق" حتى حين تندلق أحشاء أحد المصارعين الضعاف على إثر الوقوع في كمين متفجر!
ويمكن إسقاط هذا المشهد التراجيدي على ديناميكية المشهد اللغوي بالمغرب. فهذا الأخير تعاني فيه اللغات الوطنية من وضع "الضعاف" المحتجزين في "جزيرة الدستور"، فرغم أن صفة الرسمية أعطيت للعربية مند 1962، و للأمازيغية في دستور 2011، غير أن ما يجري في المشهدين السياسي و الإعلامي، يسير نحو التمكين للفرنسية من جهة والعامية من جهة ثانية. وتبق اللغتان الرسميتان حبيستا غياب "القوانين التنظيمية" مقابل الاختراق العميق والسلس والخطير للفرنسية، لا كلغة انفتاح أجنبية على الثقافة والعلم من بين لغات أخرى، ولكن كلغة ترتبط بدوائر لا يمكن فصلها عن فرنسا المستعمرة. ويتم توظيف ورقة "العامية المغربية" (اللهجة) كورقة مضللة من منظور "اللغة الأم" تلعب دور "العامل المنهك" في "لعبة الموت" لإضعاف اللغتين الرسميتين مقابل التقدم المستمر للفرنسية نحو "الفوز". وتقدم لعبة "القتال اللغوي من أجل البقاء" الصراع في "تشويق" خاص، حيث يتوجب على اللغتين الرسميتين مواجهة "ابنهما العاق"، "العامية المغربية" التي يتم تقديمها في شكل مقاتل شرس لا يرحم رغم أنه يتقاسم مع "أبويه" جميع الصفات الوراثية، لكنه ينافسهما على مستوى تعاطف "المراهنين" على الصراع اللغوي من جهة " والمتفرجين" المتابعين للصراع من باب الفرجة أو من باب مراقبة التطورات، من جهة ثانية.
وفي الوقت الذي يتوجب على اللغتين الرسميتين تجاوز مختلف أنواع الحواجز والفخاخ، القانونية منها والسياسية، تقدم للفرنسية كل الامتيازات السياسية التي تساعدها على الفوز.
ورغم أن موضوع "اللغة الأم" له مصداقيته البيداغوجية من منظور تربوي صرف غير أن ما "وراء الأكمة" لا علاقة له بالتربية ولا بالمدرسة. فكثير من التجارب تؤكد أن ورقة "الدارجة" سيف ذو حدين، فهي وإن كانت في وجهها "الإيجابي" تقدم "حلا" بيداغوجيا معينا ( قد يكون هو الطعم !)، غير أنها قد تخلخل البناء اللغوي بالكامل و تقلبه رأسا على عقب، خاصة في أوضاع مثل المغرب حيث يتم تعمد تهميش اللغات الوطنية لصالح لغة أجنبية ينبغي أن تأخذ حجمها اللائق بها إلى جانب لغات أجنبية أخرى أقوى وأولى منها. هذا مع العلم أن "اللغة الأم" في المغرب لغات متعددة وليس لغة واحدة.
إن الواقفين وراء مشروع اعتماد "الدارجة المغربية" في التعليم يعلمون جيدا أن المغرب لم يحسم بعد في سياسته اللغوية وأن اللغات الرسمية يجب أن تحضى في تلك السياسة بكامل شروط التمكين والدعم، و أن اللغات الأجنبية يجب أن يحدد لها موقع يناسبها وبقدر ما تمثله من مصلحة للوطن والمواطنين، وأن الحديث عن لغة جديدة في التعليم، غير اللغتين الرسميتين واللغات الأجنبية التي ينبغي توسيع حضورها وفق مقاربة وطنية نفعية، لا يعني سوى فتح جبهة جديدة لن يكون من نتاجها سوى تشتيت جهود إعداد اللغتين الرسميتين وإدماجهما الكامل في الحياة العامة وفي لغة الدولة بصفتهما اللسان الرسمي الذي ينبغي احترامه وتنميته.
إن مؤشرات قوية تؤكد أن لا إرادة سياسية لفتح ورش السياسة اللغوية في المغرب بمقاربة ديمقراطية تشاركية حقيقية على غرار ما هو قائم في كثير من الدول الديمقراطية وعلى رأسها فرنسا نفسها، ولعل أوضح تلك المؤشرات، أولا الاستمرار في اللعب السياسوي بورقة اللغة وقد تبين ذلك في الدعوة إلى اعتماد العامية في التدريس، ثانيا الإصرار الواضح على إضعاف حضور اللغات الوطنية على المستوى الرسمي حيث لا يتردد مسؤولو الدولة ورموزها في تهميش اللغات الوطنية لصالح اللغة الفرنسية، في أكثر المواقف حساسية وتعبيرا عن البعد الوطني ألا وهو النطق باسم الدولة المغربية بلسان أجنبي خاصة الفرنسي، والأكثر خطورة في هذا الأمر أن يتم ذلك في المغرب وداخل البرلمان، أو في محافل دولية تعتز كل دولة فيها بالتعبير بلغتها الرسمية، وينفرد المغرب باستأجار لسان غير اللسان المغربي، والمفارقة أنه لا يوجد أبدا أدنى مبرر لذلك التنكر للغة المغربية.
إنه ما لم تكن هناك إرادة حقيقية لتدبير الشأن اللغوي في المغرب بمقاربة وطنية حقيقية تتمتع بالاستقلالية عن الدوائر الأجنبية، فسيبقى هذا الورش مصدر توثر سياسي دائم، خاصة في بعده المرتبط بالحراك الشعبي.
الجمعة يوليو 07, 2017 2:06 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» مفارقات غريبة وعجيبة في قطاع التعليم بالمغرب
الأربعاء يوليو 05, 2017 4:36 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» نقط سوداء في مدارس المغرب .. أقسام محشورة وأوقات مهدورة
الإثنين يوليو 03, 2017 3:12 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» الذلّقراطية والقابلية للإستحمار
الجمعة يونيو 30, 2017 1:00 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» بلاغ النقابة الوطنية للتعليم CDT حول الحركة الانتقالية الوطنية
الخميس يونيو 29, 2017 5:23 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» ما معنى اقتطاع agios ؟
الخميس يونيو 29, 2017 1:35 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» مجلس جطو يُعَري المدرسة العمومية .. اكتظاظ وأساتذة "سلايْتيّة"
الخميس يونيو 22, 2017 2:59 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» حصاد: توقيع محاضر الخروج لهذا الموسم يوم 28 يوليوز المقبل
السبت يونيو 17, 2017 5:46 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» أخطر ما تنوي وزارة التعليم القيام به في المستقبل المتوسط: هام جدا
الأحد يونيو 11, 2017 3:22 pm من طرف Mohammed TAMESNA