رفع سن تقاعد نساء ورجال التعليم بين انعتاق صندوق التقاعد وإخفاق إصلاح التعليم

رفع سن تقاعد نساء ورجال التعليم بين انعتاق صندوق التقاعد وإخفاق إصلاح التعليم

محمد أوعلي
رجل تعليم

ليس ثمة شك في أن الإخفاقات المتتالية لإصلاح منظومة التعليم ببلادنا قد لقنتنا درسا بليغا تأكد من خلاله من مازال يحتاج إلى تأكيد من مدى الأبعاد المركبة والمعقدة لأزمة التعليم، ومن عدم جدوى الإصلاحات التجزيئية والمتسرعة والانفرادية، وجعلتنا نستوعب أن الحل يكمن فـــي استراتيجية شمولية تأخذ فـي الحسبان البعد التنموي لمنظومة التعليم، لما لها من تقاطعات وعلائق مع باقي القطاعات، ما بات يفرض على الجميع، ليس فقط الانخراط الكمي في هــذا الورش المصيري لبلادنا وحسب، ولكن وأساسا معالجة المسألة التعليمية فــي سياقها التنموي العام بالتنسيق المحكم والتمحيص القبلي للقوانيــن والقرارات والإجراءات المزمع اتخاذها وتنفيذها في كل المجالات، وعلى جميع المستويات للتأكد من مدى ملاءمتها وصلاحيتها لقضيتنا الوطنية هذه إذا كنا نؤمــن فعلا بأن لا تنمية بدون تعليم، ونرغــب فــي الترجمة الصحيحة لهذا الشعار على أرض الواقع. وحسبنا في هذه المساهمة المتواضعة أن ننبه – قبــل فوات الأوان – إلى ما يمكن أن يكون لرفع سن تقاعد نساء ورجال التعليم العاملين بالوسط المدرسي من عواقب على إصلاح منظومتنا التعليمية وتنمية بلدنا.
لا يختلف اثنان على حتمية وضرورة معالجــة اختلالات صناديق التقاعد بصفة استعجالية بالنظر إلــى عجزها المرتقب على المدى القريب، والذي بــات يتهددنا بأوخم العواقب، ودونما حاجة إلــى الإطناب في جرد الأخطاء وتحديد المسؤوليات وتأليب المواجع، تكفي الإشارة في هذا الصدد إلى بعض المسببات الموضوعية من ارتفاع أمــد الحياة وتطـور البنية العمرية لسكان المغـرب وضعف الاستثمار والتشغيل، والذاتية منها كتملص العديد مـــن المشغلين ســـواء في القطاع العام أو الخاص مــن أداء انخراطاتهــم المستحقة لفائدة هذه الصناديق على مدى عقود خلت، ثم غياب استراتيجية واقعية وتوقعية بعيدة المدى، ومنهجية ذات مرجعية علمية صارمة ترتكز على العلوم التي لها قــدرة على التنبؤ، بصورة شبــه دقيقة، بالتحـــولات المستقبلية للسكان النشيطين علــى سبيل المثــال لا الحصر علـم الإحصاء والديمغرافيا...، ما كــان سيمنحنا هامشا زمنيا مريحا لحل هذه المعضلة، وخيارات أفضل وأخف ضررا مـن التي يروج لها فــي الأوساط الرسمية والشعبية وفي الصحف.
إن الخطأ الاستراتيجي الذي نحن مقبلين عليه، فــي حالة رفع ســن تقاعـد نساء ورجال التعليم العاملين بالوسط المدرسي، هو معالجة المهم على حساب الأهم، وحتى إذا كان لا مناص– في ظل هــذا الظرف الحرج – مــن الشروع في رفع ســن تقاعد الشغيلة المغربية كإجــراء أساسي وحتمي لتصحيح وضعية صناديق التقاعد درءا لخطر توقفها الاضطراري عن أداء أجور المقبلين على التقاعد في السنوات القليلة المقبلة، وما يمكن أن يتولد عن ذلك من تهديد للسلم والاستقرار الاجتماعيين، فإن تعميم هذا الإجراء على سائــر الفئات وعلى رأسها فئة نساء ورجال التعليم العاملين بالوسط المدرسي هو، من حيث ندري أو لا ندري، زرع لبذور فشل ورشنا الحيوي المصيري، ألا وهو ورش إصلاح التعليم المرتقب، الذي لا غنى عنه لتنمية بلدنا، لأنه لا يمكن أن نعول على قاطرة معظم أجزائها مهترئ فاق عمره الستين، وإلا سينطبق علينا تتمة المثل الدارج المعروف: « شافْ الرّبِيعْ ماشافشْ الحافة «.
وبالتمحيص الموضوعي لخصوصية مهنة التعليم، والمسؤوليات الضخمة والجسيمة الملقاة علــى عاتــق ممارسيها، المفروض فيهم أن يكونـــوا مجندين دوما وعلى أهبــة استعداد ومستحضريــن باستمرار لكل طاقاتهم الجسدية والعقلية والنفسية، بهدف تدبير مشتل تكويـــن نساء ورجال الغد، وكذا الدراســة المتأنية للظرفية الحرجة التي تجتازها منظومتنا التعليمية، وواقعها المزري الذي لم تعد تمظهراته خافية علــى أحد، يحق لنا دحض وتفنيد كل الاتهامات التي قد توجه لنساء ورجال التعليم بالشوفينية والتعصب للذات التعليمية، أو بمحاولة شرعنة إعفاء واستثناء أنفسهم من رفع سن التقاعد، إسوة بباقي الموظفين. خصوصا وأننا مع مساهمة العاملين بالوسط المدرسي، على سبيل التضامن، في حل معضلة صناديق التقاعد حتى وإن كان لا يد لهم فيها، ولكن بإبداع مقاربات تتلاءم وخصوصيات وظيفتهم من جهة، وتصب وجوبا في وعاء التنمية من جهة أخرى، وما يعضد موقفنا هـــذا، التوتر والقلق الذي أمسى يقــض مضجع نســاء ورجال التعليم جراء الأمراض المتفشية فــي أوساطهم، وتنامــي تعرضهم للاعتداءات والتعنيف اللفــظي والنفسي والجسدي، إضافة إلى الإحباط الذي أخد منهم مأخذه بفعل تعدد ملفاتهم المطلبية والمعلقــة إلــى أجل غير مسمى، وما زاد في الطين بلة تذمرهم ويأسهم لعلمهم علم اليقين، بحكم خبرتهم، بأن مهمتهم لن تزيد في المدى القريب والمتوسط على إعادة إنتاج الـــرداءة، في غياب إصلاح شــاف وشامل لمنظومتنـا التعليمية، ما يندر باستفحال أوضاعهم على جميع الأصعدة. فأنّا لنا، في ظل هذه الظروف، أن ننتظر من مدرسينا أداء رسالتهم التربوية على أكمل وجه فــي أرذل العمر؟ ثم ما هي الضمانات لانخـراط هؤلاء، المتخمين بالإحباط والتذمر، في إصلاح التعليم؟ وهل من سبيل آخر لتحقيق التنمية غيــر تجويد منظومتنا التعليمية؟
من العبث الاكتفاء بتفريد جواب لكل سؤال من هذه الأسئلة، وعدم معالجتها تركيبيا وفي إطار استراتيجية تنموية شمولية نظرا للتداخل والجدلية القائمة بينها: فتنمية بلدنا مشروطة بإصلاح جدي للتعليم، ولا يمكن تنزيل هذا الأخير، مهما كان ناجحا، إلا عبــــر نساء ورجال التعليم، وواهـــم من يراهن علـــى التفعيل الأمثل والتمرير السلس لأي إصلاح عبر جسـر جزء مهم منه انتهت مــدة صلاحيته، وبات آيلا للسقوط، إنــه ضرب من ضروب الدون كيشوطية ليس إلاّ.
بقي أن نشير في الأخير إلى ضرورة الكف عن محاكاة التجارب الجاهزة لدول يختلف واقعها عن واقعنا حد التناقض، لأنه لا قياس مع وجود الفارق، والإقلاع عــــن معالجة قضايانا الحيوية بعقلية تقنوقراطية محضة ورؤى ظرفية ومتهافتة وهواجــس مصرفية ومحاسباتية، وأن نعمل على خلق وإبداع مقاربات تنسجم وطموحاتنا التنموية، وتقطع مــع كل الإجراءات التي لا تصب في هــذا الاتجاه، وما رفع سـن تقاعد نساء ورجال التعليم العاملين بالوسط المدرسي - في اعتقادنا - إلا إحداها، ولمسؤولينا واسع النظر.