قراءة لعملية انتحار الشاب إلياس: الأسباب والدوافع
ياسمين الحاج
ان مسؤوليتنا ، اباءَ وأمهات ومؤسسات تربوية او إعلامية ، وكل ما ينضوي تحت مفهوم عملية التنشئة الاجتماعية من هياكل رسمية حكومية او عمومية ، تجاه أبنائنا أطفالا ومراهقين ، هي ليست مجرد ترف او نزوة ، بل انها إرادة من الله سبحانه ، فرضها علينا ، كي تستمر دورة الحياة ، فكان المال والبنون ، بمشيئته زينة الحياة الدنيا . بما يعني ان الحياة ستفتقد معانيها الجميلة بدون هذين النعمتين التي أحبنا بها الباري . بما يبدو ان التفريط بهما شكلا من أشكال الكفر بنعمه وإرادته.
لكن هذه المسؤولية لاتنتهي عند حدود أصولها الدينية ، بل تمتد الى ان تغدو مسؤولية وواجب وطني ، فكل واحد من أطفالنا ومراهقينا او أي من ابنائنا في مطلع شبابهم ، هو مشروع طبيب او مهندس او مفكر وحتى عامل او فلاح او نجار مستقبلي وغيرها من الاطر المهنية التي يحتاجها البلد ، سيسهم في عملية التنمية وبناء المجتمع ، لذلك فان فقدان اي واحد منهم بسبب الأهمال او سوءفي الإعداد او التربية ، او بسبب الموت ، هو خسارة وتبديد لطاقة وطنية ايضا ، وطاقة مستقبلية ، يظل الوطن يأمل بها خيرا وينتظر مساهمتها النشطة والجادة بما يكفل مستقبلا اكثر نماء وازدهار
تلك هي الزوايا التي يجب ان تستوقفنا في النظر لموضوع انتحار الشاب ( إلياس ) ذو ال17 عاما في مدينة خريبكة ، ومهما كانت الاسباب والدوافع التي دفعته لذلك . ومهما قيل اويقال عن الدوافع ، حول علاقة حب فاشلة تخللها او سببها خيانة صديق . فان للانتحار اسبابه النفسية الاكثر عمقا مما هو ظاهر ، تؤشر هذه الاسباب الى فشل العملية التربوية بكل مؤسساتها ( عائليا ، وتعليميا ، وكل المؤسسات الاجتماعية والرسمية الاخرى ذات العلاقة بعملية التنشئة الاجتماعية ) . تبدو الاسباب الظاهرة او الحوادث المؤذية خاصة تلك التي تمس اعتبار الذات ،او المشاعر الحساسة ،ليست إلا اسباب عابرة لاتمثل حقيقة الواقعة . ان الاسباب الحقيقية وكما هو متفق عليها عالميا وعلميا ، ان الكابة واليأس ، وفقدان الحياة لمعانيها الجميلة، هي الدوافع الحقيقية لعمليات الانتحار .
لذلك فالموقف العلمي والموضوعي ، لمعالجة الظاهرة ، كي لا يغدو انتحار إلياس ، طريقا وحافزا لتكرار المأساة علينا دراسة أوضاع أطفالنا ومراهقينا ، ومراجعة كل طرقنا التربوية في التقرب منهم ومعرفة مشكلاتهم ، والنفاذ الى دواخلهم . ووضع الخطط العلمية والتربوية لمعالجة هذه الدوافع الإنتحارية والتعامل معها كظاهرة ومسؤولية مجتمعية . فلو وجد ( إلياس) من يحنو عليه ويتفهم حالته وينصحه بما عليه عمله ، ويوعيه بأقوال من جلت قدرته وتقدست أسماؤه حيث قال : { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما * ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً } ، وقال تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } . وقال تعالى : " ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق . . . إلى قوله تعالى : " ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً "،لما اقدم على الانتحار . ولو كان قد لقى التوجيه المناسب له خلال مسيرته التربوية لكن اكثر فهما لمعاني الحياة ومعاني الدين ، ما يجعله اكثر قدرة على مواجهة الصدمات . إلا ان الحواجز والأسوار التربوية التي يرسمها المسؤولين المباشرين عن العملية التربوية ( اباء وأمهات ومعلمين ) ، تجعل شابا بعمر إلياس نهبا لليأس والكآبة ، وعرضة للإحساس بالتفرد والوحدة ، من هنا فان الدول المتقدمة تهتم كثيرا في مدارسها بتعين خبير في الإرشاد النفسي والتربوي لكل مدرسة او لكل مجموعة من الطلبة في المدرسة الواحدة ، ليجد فيه الطالب صديقا ذا خبرة للاستشارة في كل المشكلات الاجتماعية والحياتية .
لاشك ان للإنتحار مظهر اخر خفي على عامة الناس . يرى المختصين والعلماء في الانتحار انه مظهرا او استجابة احتجاجية ورفض لما هو سائد من قيم ، او معايير اجتماعية سائدة يعجز الانسان عن تغيرها فيلجأ للإنتحار رافضا لها ومحتجا على شيوعها ، وعن نمط العلاقات الاجتماعية ، من علاقة الاباء بالابناء ، ومفاهيم خاطئة عند الشباب عن العلاقات العاطفية مع الجنس الاخر ، وغيرها من امور اخرى عديدة . ما يفرض علينا ان نتوقف ، ايضا ، لفهم الدوافع الاحتجاجية التي حركت إلياس ودفعته للانتحار .
لعل المعاني الاحتجاجية في انتحار شاب ترمي الى رفض ما يبدو شكلا من اشكال تحطم او تحلل القيم الاخلاقية عند شبابنا ، وابتعاد الغالبية منهم من قيم ديننا من الوفاء ، والامانة ، والصدق ،والاخلاص ، وغيرها من المفاهيم الاخلاقية التي بدأت تختفي رويدا رويدا عند أجيالنا الصاعدة ،و شيوع قيم الانحلال الاخلاقي ، فنحن اصبحنا بفعل تطور وسائل الاعلام والاتصال مكشوفين للتأثر بقيم الاخر ، دون ان تتوفر عندنا لا الارضية الاجتماعية ولا الاقتصادية او حتى التربوية لاستيعاب هذه القيم . وأصبحنا مكشوفين قيميا امام تأثيرات الاخر ، فقدنا قيمنا الراقية ولم نتمكن من ايجاد الاطر العامة لاستيعاب وقبول قيم الاخر ، مكشوفين للفوضى والتشوش الاخلاقي والفكري ، وهنا ايضا تتحمل مؤسساتنا التربوية المسؤولية لمواجهة هذه الظاهرة بتعزيز قيمنا الاخلاقية العربية – الاسلامية لإنقاذ اطفالنا ومراهقينا من هذه التمزقات النفسية التي يعيشونها .
ولعل ما يؤشر الى خطورة هذه التشوش الاخلاقي ما اقدم عليه بعض المراهقين من فتح صفحة على الفيس بوك باسم (إلياس )، للتشهير به وبرفاقه ، وتحويل الواقع الى موضوعا للسخرية والتندر وملا فراغ . وان يصل عدد المعجبين في الصفحةالى اكثر من13800 معجب ، خلال فترة اقل من اليوم ونصف . فتلك ظاهرة اخرى علينا ان نتوقف عندها لأنها بقدر ما تؤشر الى التشوش الاخلاقي والقيمي عند من عمل الصفحة او وضع تلك التعليقات التي تهدف للتشهير بالضحية وأصدقائه ، فإنها تؤشر ايضا الى ان الكثير ممن اعجبوا بالصفحة قد يكونوا ممن يبحث عن معرفة ومعنى لعملية الانتحار ، ولا يستبعد ان بعضهم يعيش نفس الاحساس والدوافع التي عانى منها الضحية ، ومن يدري قد يكون سلوكه دافعا لتشجيع اخرين على الاقدام على نفس الفعل . لذلك اتمنى لو ادرك أبنائنا ممن عمل الصفحة هذه المعاني كي يبادروا لإغلاقها . مهما يكن او كانت الاسباب فالميت كرامته واحترام لذكراه التي لاشك ستظل عزيزة عند اهله واقاربه ومحبيه من الاصدقاء والمعارف .
وتبقى الحياة هبة من الخالق وهبنا اياها هدية ورحمة منه وهبنا إياها، والاعتداء عليها قتلا او انتحارا يمثل حالة جحود لإرادة الخالق ومشيئته ، فلنعلم اطفالنا قيمة الحياة ومعاني الشكر الجميلة له بما اعطانا ووهبنا الله . فالانتحار حرام بكل صوره وأشكاله ، وليس دواءً يوصف للمعضلات والمشكلات ، بل داء يسبب الانتكاسة والحرمان من الجنة.
الجمعة يوليو 07, 2017 2:06 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» مفارقات غريبة وعجيبة في قطاع التعليم بالمغرب
الأربعاء يوليو 05, 2017 4:36 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» نقط سوداء في مدارس المغرب .. أقسام محشورة وأوقات مهدورة
الإثنين يوليو 03, 2017 3:12 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» الذلّقراطية والقابلية للإستحمار
الجمعة يونيو 30, 2017 1:00 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» بلاغ النقابة الوطنية للتعليم CDT حول الحركة الانتقالية الوطنية
الخميس يونيو 29, 2017 5:23 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» ما معنى اقتطاع agios ؟
الخميس يونيو 29, 2017 1:35 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» مجلس جطو يُعَري المدرسة العمومية .. اكتظاظ وأساتذة "سلايْتيّة"
الخميس يونيو 22, 2017 2:59 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» حصاد: توقيع محاضر الخروج لهذا الموسم يوم 28 يوليوز المقبل
السبت يونيو 17, 2017 5:46 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» أخطر ما تنوي وزارة التعليم القيام به في المستقبل المتوسط: هام جدا
الأحد يونيو 11, 2017 3:22 pm من طرف Mohammed TAMESNA