المجلس الأعلى للتعليم و"المغادرة القهرية "
ادريس مستعد
أين المشكل؟
يعود المجلس الأعلى للتعليم، مرة أخرى، ليدق ناقوس الخطر من خلال تقرير السيدة رحمة بورقية، ومن خلال تصريحات السيد عمر عزيمان في الدورة الحادية عشرة للمجلس الذي يناقش قضايا تشخيصية أكثر منها حلولا إجرائية.
إن المشكل لا يكمن في مجانية التعليم التي تضاربت حولها الآراء والتبريرات ولا يزال المجلس يدافع عن سوء الفهم وعدم التصريح بها إطلاقا، وأن الانتماء الاجتماعي لا يمكن أن يكون سببا للحرمان من التعليم في كل أطواره، ولا يكمن المشكل أيضا في الميزانية المطالب برفعها بـ5 في المائة كل سنة والبحث عن مصادر التمويل من مؤسسات عمومية وقطاع خاص وأسر ميسورة أو تأدية رسوم التسجيل بعد معرفة قدراتها، ولا يكمن المشكل في التعليم غير النظامي الذي هو نتيجة وليس سببا.
إن المشكل بالأساس في فقه أولويات الهندسة البيداغوجية، وفي الاجتهاد البيداغوجي، وفي مقاصد الإصلاح التعليمي، وفي الإطار المرجعي الذي يحدد لنا البوصلة التي لا يمكن أن تتيه، وأن لا نحرق المراحل ولا نراعي الخصوصيات فنخلق بذلك الهوات والتناقضات، والتردد والحسم في أخذ القرار، وكلما خطونا خطوة ميثاق أو مشروع نقوم بنقض غزله، وقد نحن إليه بين الحين والحين لأننا لم نجد عنه بديلا.
لا نشكك في النوايا الإصلاحية، فالمربون آباء لهم الحرقة على أبنائهم، ولا أحد يتمنى البوار للتعليم؛ لكن الزمن التعليمي الحضاري ينفلت والفرص تضيع وتغيرات العالم لا ترحم.
أولويات الهندسة البيداغوجية :
"القراءة والكتابة والحساب مواد قطعية "
بالفقه والمنطق، الأصول تقدم على الفروع، والأهم على المهم، والفرائض تقدم على المندوبات، فلا نافلة إلا بعد أداء الفريضة، فلا يمكن الاهتمام بالرسم والرقص قبل القراءة والكتابة والحساب، طبعا في أقسام ابتدائية ولا أقصد الحضانة التي تتطلب اللعب وتفتيق المواهب، إن الثالوث البيداغوجي رهان للتعليم الابتدائي، فلا يمكن للتلميذ أن يكون ابتدائيا إذا لم يستطع أن يقرأ النص قراءة سليمة، ولا يمكن له أن لا يحفظ جدول الضرب وأن لا يكتب نصا بدون أخطاء صرفية ونحوية، فذلك أضعف الإيمان، فهذه "المواد القطعية "هي الأهم و"المعلوم من التعليم بالضرورة" وأرضية البناء التي لا نتساهل فيها، وكل ما دونها "مواد ظنية" قد نأخذها بالتدرج أو في وقت لاحق، مندوبة قد تترك تحقيقا للمصلحة، فما الذي يضر إذا أجلنا "تاريخ الفن" و"الإنجليزية" أو "المعلوميات" إلى ما بعد الابتدائي، فنحن لن نجعل من التلميذ موسوعة علمية، وما جعل الله له من ذاكرتين، وهي مواد قد تختلف حسب الشعوب، لكن الجميع يتفق على الثالوث البيداغوجي (القراءة والكتابة والحساب)، ثالوث من باب الضروريات التي لا يتم التعليم إلا به، أما "المواد الظنية " فهي "الحاجيات " التي ترفع الحرج وإذا فاتت لا يختل نظام التعليم، أو "التحسينيات" التي تجعل أحوال التعليم على مقتضى الآداب العالمية، وذلك مستوى "مكارم الأخلاق التعليمية" التي نصل إليها بالتدرج، ولن نحاسب عليها في البداية.
هذه الأولوية هي ما أشارت إليه السيدة بورقية في تقرير المجلس الأعلى الأخير، حيث تلاميذ التعليم العمومي لم يكتسبوا الكفايات اللغوية العربية والفرنسية والرياضية في حدها الأدنى (معدلات 23 و38 في المائة من الأهداف المحققة)، ومن المفارقات أن معدلات الوسط الحضري في بعض المواد أدنى من القروي، أما الإحصائيات الأخرى المتعلقة بوظيفة الآباء والأمهات والتقاعد والوسط الاجتماعي والعالم القروي ونسبة الانخراط في الشبكات الاجتماعية والمواقع، فليست محددا أساسيا للمشكل التعليمي، فهي عوامل مساعدة أو معاكسة، لكن الأهم هو "الهندسة البيداغوجية".
المجلس الأعلى و"المغادرة القهرية":
أما حديث السيد عمر عزيمان فهو في إطار الأساليب لا الأهداف والمضامين، فعدم احترام قواعد السير الديمقراطي للمؤسسة وتضخيم بعض الحالات إعلاميا، والدعوة إلى الحوار والديمقراطية والاحترام المتبادل، فهذا كلام خارج الهندسة البيداغوجية، فما زلنا في مرحلة "شروط الإصلاح التعليمي" لا "أركانه ومضامينه"، فما زالت الدعوة إلى "ضرورة العمل" و"مضاعفة الجهود" و"الالتزام الجماعي بالقرارات المتخذة ديمقراطيا" وكأننا نضع أرضية الإصلاح أو ميثاقا أخلاقيا للعمل، بينما المفروض تقييم وتقويم ما أنجز.
إن التقارير التي أنجزت والخطط الإستراتيجية التي وضعت والجهود التي بذلت لم تعط أكلها، باختصار؛ فالتقرير ناقوس خطر، والخطاب رثائي، والأفق رمادي، والنجدة على لسان المسؤولين، وتصريحات أعضاء المجلس تناقض قراراته، ولا يزال الأمر هو الارتقاء بالنقاش إلى المستوى المطلوب، هذا المطلوب الذي ينتظره المغاربة طويلا.
وإذا كان المشكل في التربية النظامية للتعليم العمومي فكيف يجعل المجلس برنامج عمله لموسم 2016ـ 2017 مناقشة التربية غير النظامية أو "المغادرة القهرية"؟ أليست الثانية نتاجا للأول؟ والأولوية تتطلب معالجة ومناقشة مصدر المشكل ومناقشة أسباب الفشل وسبب الهدر المدرسي، فلماذا يغادر هؤلاء المدرسة؟
فتعميم التعليم للنظامي أما غير النظامي فقد عاش تجربة التعميم ولم يفلح، إذا السؤال بأية بيداغوجية سنعمم التعليم كي لا نجد أنفسنا خارج النظامي؟ وهل المشكل في "المغادرة القهرية" بدون شواهد؟ وأي "برنامج طوعي" يستطيع استيعاب 400 ألف تلميذ غير نظامي سنويا، حسب تقرير سابق للمجلس الأعلى؟
ويشخص المجلس الصعوبات والتحديات لبرامج التربية غير النظامية في ندرة الإحصائيات وضعف المردودية الداخلية والخارجية والإقبال ومحدودية المكتسبات لدى المستفيدين وضعف معدلات الإدماج في التعليم النظامي والتكوين المهني وهشاشة العلاقة بين النظامين، أي إدراج البرامج غير النظامية ضمن التعليم النظامي، والانتقال من برامج مؤقتة إلى منظومة قائمة ثم إشكالية التمويل والحكامة.
هذه التشخيصات هي وصف لواقع وليس تحليلا أو تفسيرا وليس إسترايجية للعمل أو أواش مفتوحة وبرامج للتنزيل، فلا يكفي توصيات "تحقيق نفس أقوى لاستيفاء مهام التربية غير النظامية في أفق 2025" وأن "الفضاء الطبيعي هو المدرسة النظامية، وأن غير النظامية محدودة في الزمن"... هذا كلام غير علمي ولا عملي، فالمطلوب ما العمل؟ ومن يقوم بماذا؟ أي كيف "نتبدغج " كل من موقعه؟ كيف تصبح البيداغوجيا ثقافتنا اليومية؟
إن أي نقاش خارج الهندسة البيداغوجية نقاش "خارج التغطية التعليمية"، والمجلس يدعو إلى ملاءمة الهندسة البيداغوجية بتمكين تلاميذ التربية غير النظامية من الاستفادة من مقومات النموذج البيداغوجي المتضمن في الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015ـ 2030 خاصة الهندسة اللغوية الجديدة، وتشجيع الأساتذة لتأطير برامج الاستدراك مقابل حوافز مادية وتكوين تكميلي وظيفي.
إذا كان النموذج البيداغوجي في الرؤية الإستراتيجية فيه مشكل فكيف سنلائم هندسته مع التعليم غير النظامي، خاصة على مستوى الهندسة اللغوية التي حسم فيها المجلس بطريقة خاصة، حين حافظ على الرهان الفرنكفوني؟
نسقية الهندسة اللغوية والهندسة البيداغوجية:
إن المسألة اللغوية واختلالاتها وانحباس الأفق رهين بالمسار الديمقراطي المتعثر الذي لم يستطع خلق توافق مجتمعي حول اختياراتنا وتعدديتنا الثقافية، فلا تنمية اقتصادية بدون تنمية لغوية، ولا تنمية محلية بلغة أجنبية، وأي تخلف اقتصادي أو اجتماعي هو نموذج للتخلف اللغوي، يعبر عن الانفصام بين الإنسان ولغته ، فوراء كل مشروع تنموي حياة لغوية، ووراء كل مشكل واقعي مسألة لغوية.
إن التمكن اللغوي سابق على التمكن المعرفي، وهو تهيئ لاستيعاب المفاهيم العلمية دون " إعاقة لغوية "، فبقدر تمكن المتعلم من لغة بقدر ما ينجح في المادة العلمية بهذه اللغة.
إن "السيادة اللغوية" أو "التماسك اللغوي" ليس ضد الانفتاح، بل الانفتاح المتعدد للغات سيطرح التنافسية وسيزيل احتكار الفرنسية وتسييجها للواقع المغربي، والاقتصاديون، ورجال الأعمال خاصة، يعرفون كم تضيع علينا الفرنسية من الأسواق الأنجلوساكسونية. لسنا ضد التعددية اللغوية بل العكس هي تقوي من اللغة الرسمية وتفتح آفاقا للبحث والاستفادة من تجارب الآخرين.
إن إشكالية الهندسة اللغوية من معيقات "الهندسة البيداغوجية" و"البشرية"، فهي لا تؤثر على التلميذ فحسب، بل على المحيط الاقتصادي والاجتماعي. فالتحكم في الكفاية اللغوية هو أساس تنمية كل الكفايات اللازمة للتعلم، وهي الحاسمة في الارتقاء الدراسي وفي مسار الحياة ككل.
إن ضعف الكفاءة اللغوية يؤدي إلى ضعف الحوافز التعلمية، وعدم التفاعل مع المناهج الدراسية، وبذلك تضيع جهود الدولة في تمويل البرامج اللغوية والدراسات التقنية.
الجمعة يوليو 07, 2017 2:06 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» مفارقات غريبة وعجيبة في قطاع التعليم بالمغرب
الأربعاء يوليو 05, 2017 4:36 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» نقط سوداء في مدارس المغرب .. أقسام محشورة وأوقات مهدورة
الإثنين يوليو 03, 2017 3:12 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» الذلّقراطية والقابلية للإستحمار
الجمعة يونيو 30, 2017 1:00 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» بلاغ النقابة الوطنية للتعليم CDT حول الحركة الانتقالية الوطنية
الخميس يونيو 29, 2017 5:23 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» ما معنى اقتطاع agios ؟
الخميس يونيو 29, 2017 1:35 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» مجلس جطو يُعَري المدرسة العمومية .. اكتظاظ وأساتذة "سلايْتيّة"
الخميس يونيو 22, 2017 2:59 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» حصاد: توقيع محاضر الخروج لهذا الموسم يوم 28 يوليوز المقبل
السبت يونيو 17, 2017 5:46 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» أخطر ما تنوي وزارة التعليم القيام به في المستقبل المتوسط: هام جدا
الأحد يونيو 11, 2017 3:22 pm من طرف Mohammed TAMESNA