حول الخطاب 'الشيزوفريني' لوزارة التربية الوطنية
بقلم : محمد الكرافس "كاتب و باحث"
الخطاب 'الشيزوفريني' هو اللغة التي باتت تتقنها وزارة التربية الوطنية هذه الأيام بعد انتكاساتها المتكررة و تراجعها يوما بعد آخر عن المكتسبات التي حققها رجال و نساء التعليم بتضحياتهم و نضالاتهم التاريخية، في الوقت الذي يستلزم الأمر إصلاح القطاع و النهوض به، حيث لم يعد الأمر يقتصر فقط على التكالب و الإضرار بمصالح الشغيلة التعليمية بقدر ما تجاوزه ليصير سكوتا ظالما عن مجموعة من الحقوق في دولة تتبنى دستورا جديدا و حصلت مؤخرا على مقعد في المجلس الأممي لحقوق الإنسان. و ما شهدناه خلال الأسبوع الماضي لم يكن ليمر علينا هكذا دون مجالسة أنفسنا و الإنصات لخلجاتنا و نحن نقمع من طرف القوات العمومية من خلال تهشيم أضلع الأساتذة و رؤوسهم و اعتقالهم، لا لشيء سوى لأنهم يطالبون بترقية شرعية بالإجازة و ترقية و تغيير الإطار لحاملي الماستر كما هو حال سابقيهم، فأي بلد هذا الذي يعتدي على من يزرعون بذور القيم و الأمل في أبنائه؟ و أي خطاب يريدون توجيهه للعالم و هم يعتدوون على من يغرسون شتائل الحب في بساتين الوطن؟
عفوا وطني ! لقد تكالبت علينا الأزمات، و بعدما كان الشعب يمني النفس بصعود حزب العدالة و التنمية إلى الحكم، اتضح لنا في النهاية أن الأمر لم يكن سوى ملهاة 'بايخة'، حيث جاءت النسخة الثانية من هذه الحكومة مخلوقا هجينا و خليطا غير متجانس على الإطلاق تسيطر فيه أغلبية من نوع آخر هي الأغلبية التقنونقراطية بقيادة وزارة الداخلية التي تريد استرداد دواليب التحكم و هو ما بدا واضحا من خلال التدخلات العنيفة ضد نساء و رجال التعليم لا لشيء سوى لأنهم يطالبون بحقهم في الاستفادة من الترقية و تغيير الإطار بالماستر و الإجازة إسوة بالأفواج السابقة، حيث لا يمكن إخضاع القانون للتجزيء و التفتيت و الانتقائية في التطبيق، إذ استفادت أفواج سابقة دون قيد أو شرط، بينما يحرم فوجا 2012 و 2013 من هذه الترقية التي كما قال الوزير محمد مبديع هي مسألة سهلة و يمكن حلها بسهولة بالغة. فلماذا تتعنت الوزارة الوصية على القطاع و هي تريد ليّ ذراع الأساتذة بنهج سياسة صم الآذان، و محاولة فرض مباراة أشبة بالشرك و اللغم؟ ثم ما هو الخطاب الذي تريد الدولة توجيهه بعودة الاعتداءات على المحتجين المسالمين، خاصة و أن هذا الاحتجاج قطاعي و يتم بشكل حضاري أمام مبنى الوزارات المعنية و الإدارات المشغّلة ؟
قد يعتقد بعض المسؤولين أن رياح الأحداث التي وقعت في مصر و تونس و المحاولات الجارية لإفشال تجارب دول محاور الربيع العربي قد تساعد في عودة دواليب التحكم لأجهزة غير سياسية و بذلك يصبح الكومبارس السياسي مجرد لاعب من الدرجة الثانية أو الثالثة، و هو ما بدأنا نلمسه مؤخرا من خلال الدور المتنامي لوزارة الداخلية و فض الاحتجاجات بعنف مبالغ فيه و اعتقال ممثلي المحتجين. و حتى النقابات التي يتساءل قياديوها دائما عن سبب العزوف في الانتماء إليها أصبحت وجها آخر للإدارة ولم تعد و هي تدعي 'التمثيلية' تمثل إلا نفسها و الدليل هو قدرة هؤلاء الأساتذة الصامدين على الالتفاف حول مطالبهم المشروعة بعيدا عنها في تنسيقيتين محكمتي التنظيم لحاملي الماستر و المجازين بمؤازرة بعض التنظيمات النقابية الشريفة التي لم تبلع طعم الوزارة و لم توقع محضر البهتان و الوزر الذي يكرس الارتجالية و يذكرنا بجدار برلين فمن جاء قبل 31/12/2011 يستفد و من حصل على الشهادة الجامعية يوم 01/01/2012 لن يستفيد و عليه اجتياز مباراة، فأي قانون هذا الذي يكرس الإقصاء و المزاجية في التطبيق كصورة نمطية عن غالبية القرارات الأحادية التي تتخذها الوزارة منذ صدور القانون الأساسي سنة 2003 و عمل التمديد ببعض مواده سنة 2008 و التراجعات المسجلة في هذا المجال؟
إن الأمر لا يتعلق بمجرد ترقية بسيطة لن تكلف الدولة في عدة ملفات فلسا واحدا، بل يتعداه إلى أكثر من ذلك، حيث استطاع هذا الملف البصم على كرامة نساء و رجال التعليم قاطبة و تعرية الواقع السياسي و النقابي لمسؤولين 'شيزوفرينيين' يتقنون التباكي أمام عدسات الكاميرا فقط، أما من أوكلت إليهم مهمة الرقابة على خرق حقوق الإنسان في شوارع الرباط مثل محمد الصبار فقد اختار هذا الأخير بتصريحه الاخير شرعنة 'الزرواطة' و هي تسلخ ظهور أستاذات و أساتذة الوطن ، و هو الخطاب الذي يجعلنا نعتقد جازمين أن التغيير لم يحن بعد، و مادامت الاحتجاجات السلمية من نخب و مثقفي الوطن تجابه بالعصي و الهروات فلا شيء يثنينا عن نضالاتنا الأبية و عن المزيد من النضال .
» مفارقات غريبة وعجيبة في قطاع التعليم بالمغرب
» نقط سوداء في مدارس المغرب .. أقسام محشورة وأوقات مهدورة
» الذلّقراطية والقابلية للإستحمار
» بلاغ النقابة الوطنية للتعليم CDT حول الحركة الانتقالية الوطنية
» ما معنى اقتطاع agios ؟
» مجلس جطو يُعَري المدرسة العمومية .. اكتظاظ وأساتذة "سلايْتيّة"
» حصاد: توقيع محاضر الخروج لهذا الموسم يوم 28 يوليوز المقبل
» أخطر ما تنوي وزارة التعليم القيام به في المستقبل المتوسط: هام جدا