رؤية في إصلاح التعليم بالمغرب
الحسن إمامي
يحتاج الفكر الديمقراطي لكي يدشن الرشد للعقل و استقلاليته و حقه في التعبير عن الراي ... يحتاج لكي يؤسس و يؤثث مشروع الحياة و المستقبل و تنظيم المجتمع و تدبيره ... ذلك مسار التحليل ـتصور إصلاح المنظومة التعليمية ، ينطلق من عناصر اساسية تحتاج إلى الضبط و التوثيق و التوظيب ... لابد لنا أن نفكر بطريقة معاصرة مستشرفة للمستقبل ... تحاول أن تتجاوز هفوات الماضي ، و التوظيفات السلبية و السيئة فيه ... إن تصور إصلاح المنظومة التعليمية ، حينما سنفكر فيه سياسيا ، فلا بد لنا أن نرى المراد بهذه المعالجة السياسية .. كيف ذلك ؟
المعالجة السياسية
لها عنصران متقابلان ... أولهما سلبي محض ، إذا اراد الاستحواذ على مشروع الإصلاح ... ذاك الذي يريد التحكم في المنظومة و توجيهها بما يخدم تصوره الأحادي للتعليم و التربية ... ذاك الذي يرى الهاجس الأمني هو الأساس في برمجة تصور إصلاحي للتعليم ... و هنا لن يكون إصلاحا حقيقيا و نافعا للمجتمع ، بقدر ما سيكون حقلا للتحكم بعنانه في خيول جارفة للريح و التيارات التي تقابلها فوق سكة قطار التعليم ... هاجس يستحضر الماضي القريب ، المرتبط بفاعلية التعليم في بلورة وعي وجتمعي يستيقظ كلما رأى ضرورة التطور و البحث عن شروطه ... و هذا الهاجس الأمني طبعا ، ارتبطت ذاكرته بمحطات نضالية و مسيرات احتجاجية و انتفاضات شعبية جماهيرية ، كان للأسرة التعليمية ـ أساتذة ، طلبة ، تلامذة ـ ، دور فيها و في قيادتها .... كانت المعادلة في هذا التقابل سياسية محضة ... تقارب شموليا التداخل بين ما هو سياسي ، و ما هو ثقافي ، و ما هو اقتصادي ، وتربوي ... إلى غير ذلك من زوايا و ميادين التقاطع للمنظومة التعليمية التعلمية معه ...
و إلى جانب الهاجس الأمني التحكمي ـ الذي بُلور لمشاريع الحكامة بلغة العصر السياسية ، و التي لن تكون حكامة العقلنة و الضبط و البرمجة الدقيقة و الجدولة الزمنية لمراحل انجاز و التقييم و التقويم ، قدر ما كانت بعقلية ثقافية هاجسُها أمني ، تجبر و تحكم و قبضة على اللجام و توجيه لمسار يخدم المصالح و لا ينفلت عن رؤية العين و وتيرة البصيرة المتحكمة ـ ، إلى جانب هذا الهاجس الأمني ، سنجد الهاجس الإيديولوجي الذي يريد أن يجعل الوعي الذي سيحلق فيه عقل المتعلم ، سقفا لا يمكن تجاوزه و تحت رعاية و مراقبة و تأطير و توجيه المُراقب ... و هذا السقف الإيديولوجي سيتنوع بين خصوصيات تنوع تركيبة العقل السياسي المغربي ، و يوازن بينها ...فالتيارات التي افرزها التفاعل الدولي الثقافي و الإعلامي و السياسي ، و التي خلقت وجهات نظر و تفكير ، و اساليب عيش و نمط حياة في اغتراب عن بعضها البعض ، جعلت الفضاء للعيش واحدا ، و العوالم المتخيلة و الممارسة متعددة و متناقضة إلى درجة إقصائية تريد محو الآخر و تصوره و نموذجه ... هذا الوعي المتطرف و الإقصائي أخذ في التطور بحكم مفارقات الواقع ، و تباعد المختلفين عن دائرة الحوار و التقارب الخادم لمجتمع ، و غياب ديمقراطية في الوعي كما في الممارسة عند جميع الأطراف ... فمجتمع تحكمه عقليات القرون الوسطى في الثقافة كما في المعاملات ، لم ينضج بعد إلى هذا الأساس من الوعي بالحريات و قيمتها ، و السلط و وظائفها ...
المعالجة السياسية الإيجابية
أولا : إن المعالجة السياسية الايجابية للمنظومة التعليمية ، ستتجلى أولا عمليات الإشراك المتنوعة و التمثيلية في مناقشة الموضوع و ما يتطلبه من نهوض و تغيير و تصويب ...
ثانيا الأخذ بعين الاعتبار لجميع الأفكار المطروحة ، و إعطائها من الحق و الوزن نفس ما ستأخذه افكار و توجيهات رسمية منزلة بسلطة نفوذ ...اقتراحات تتضمنها الدراسات و التحاليل و الرأي العام و الإعلام عموما ...
ثالثا ، بلورة كل هذه الثقافة داخل عمل مؤسساتي و ليس فردي انطباعي ، حتى لا نقع في عمى الألوان كما وقع لمن سبقوا في لخبطتهم للوحة التعليم ، و إقحامهم للبعد الفلكلوري في مقاربته ...
رابعا ، الإيمان بالنسبي في كل المراحل و سيرورة العمل و التطبيق ، و اتخاذ القرارات ... ما يعني إخراج المنظومة التعليمية من هيمنة التوظيف السلبي الذي يغطي تسلطه على المجال و استبداده بتدبيره ، و إقصاءه للمحاسبة و المراجعة ، بادعاء التوجيهات العليا ، بينما هي سياسات تدبيرية بشرية و مؤسساتية و مكتبية ، تتنزل تدريجيا من مجلس أعلى للتعليم إلى باب المؤسسة و موظفي القطاع ...
خامسا ، حضور المحاسبة و المتابعة ، و حماية المال العام الذي ينفق في حقل التعليم ، من عبث السماسرة و لوبيات الفساد و الرشوة الذين يُحكمون قبضتهم على المشاريع و يعرفون كيف يتلاعبون بالكل في اختلاسٍ أو تزوير ، أو احتكار ، أو غش و خيانة أمانة العمل و الإنجاز ... و لعل التغطية التي يستفيدها البعض في كل عمليات محاسبة ، تبين أن اللوبيات قائمة حية مهيمنة ، ضاحكة بذقونها على احتباس و اختناق هذا التعليم الذي أتخم بطونها ...
المعالجة اللوجيستيكية :
ستكون تتبعا للبنايات و التجهيزات و التقنيات و المؤسسات و الوظائف و العنصر البشري الذي يسهر على العملية التعليمية التعلمية ... كما ستكون تجنيد مبرمج للمهام و طرق الإنجاز و وسائله و حاجياته من التواصل و المواد التي يجب توفيرها لأجل تحقيق هذه المهما المتداخلة ماديا و معنويا ، عمليا و منهجيا ... بذل الجهد المناسب ، و تمويل المشروع المناسب بالحجم و الراسمال و الطاقم المناسب ، من أجل النجاح في مهام مشروع ما ، مرحليا ، على مدى قصير المدى ، أو متوسط ، أو طويل ...
سنحتاج إلى تحقيق دمقرطة حقيقة في حقل التعليم ، تجعل الكل واحدا و سواسية ... كل فرد مغربي مواطن ، و كل شبر من تراب الوطن يستحق ما يستحقه آخر من عناية و تجهيز و بناية .... سنخرج من سياسة متخلفة تشوه خدمتنا لنظامنا السياسي العام ، و التي تجعل سياسة الواجهة و تغطية الواقع المتردي ... و هي ثقافة مغربية حاضرة بامتياز في جل مناخاتنا و بيوتنا ...و ليس فقط عند المسؤولين و الساهرين على مصالحنا في العمالات و الأقاليم و المندوبيات و النيابات و مصالحها ... أن تجد في مدينة واحدة ، مؤسسة تعليمية بمواصفات متطورة ، و أخرى متردية آيلة للسقوط و فقيرة من حيث التجهيزات و المرافق و البنايات الضرورية لها ، يعتبر مفارقة تعبر عن انفصام شخصية المسير و المستفيد ، و انفصام لوحة الوطن التي مزقنها و رقعناها بين زرقة سماء صافية و طمي وحل في التراب ...
سنحتاج إلى الخروج من عقلية التقشف التي لا تكون إلا في المجالات العمومية و قطاعاتها ... و التي تجسد الشرخ الآخر لهذا الانفصام ، و التي أنتجت مجتمعا فقيرا فعلا في شخصيته و متوَّجه و طريقة عيشه و قيمه و إيجابيته لوطنه ... فالتقشف يكون معه التضييع للمال أكثر ... بحكم السياسات الترقيعية التي تكون كل مرة ... و الفشل المطلق الذي يكون رفيق كل مشروع إصلاح ... فالتعليم سفينة ضخمة تواجه إعصارات المحيطات لكي تقود الأمة إلى شواطئ رسو ثابتة و إبحار مستمر آمن ... إن البنيات التحتية التي أرساها الاستعمار أصبحت أفضل من التي بنيت و اسست في تسعينيات القرن العشرين ... و هذا وصمة عار على جبين مجتمع يحتفل بالاستقلال كل سنة في يوم خاص به ...
المعالجة الثقافية المجتمعية :
لا تختلف و لا تبتعد عن التلازم مع سابقاتها ... ذلك أنها ترى أن الطبقة المسيرة و الموظفة للسهر على شؤون الإدارة العمومية ، ترى في مناصبها ريعا يجب استغلاله ، و فرصا يجب عدم ضياعها من أجل نهب و اغتنام و استحواذ و تفويت ... عقلية ثقافية لا زالت راسخة بحكم التربية المتعطلة في وعينا و عقولنا ، ترى أن العمل المؤسساتي العصري ، هو نتاج استعماري غربي كافر ، يجب الانتقام منه و عدم رحمته ... و تعيش انشطارا بين نهبه و الترقي فه ، و بين ترسيخ تبرير في الوعي بعدم صلاحيته و عدم استحقاق المواطن له ... هكذا يصبح من سينتقم من المستعمِر ، مستعمِرًا بما يقوم به ، يقصي المواطن من الاستحقاق و الاستفادة من خيرات بلاده ... سيكون رغد العيش للموظف المسؤول ، و الكدح للمواطن ... دليل ما نقول هو سياسة أي إدارة مغربية في شراء سيارات فاخرة جديدة ، و مكاتب رفيعة ، و تقليصها من ميزانيات التجهيز و التمويل للمرافق العمومية كبناء المدارس وجودتها ، و توظيف العنصر البشري لخدمة الصالح العام ...
المعالجة الثقافية ، تحتاج إلى تجنيد باحثين تربويين و علماء اجتماع ، و محللين نفسانيين ، يتابعون وضعيات الخلل و العطب في عقلية العنصر البشري ، يطهرون الوعي مما ترسب من مثبطات الماضي القريب و انعكاسات ذلك على ضمير متعب باليأس و الإحباط ... كما تحتاج إلى مواكبة المناخ الثقافي الدولي ، و إحداث توازنات و ترتيب أولويات في الاشتغال الذهني و الفكري ، و نوعية الأوراش و حجمها و شكلها ، تلك التي يجب الاشتغال عليها تربويا و بيداغوجيا ، بما سيخدم شخصية المواطن و إنتاجه في جميع حقول الحياة ... و لا ننس أن العطاء متبادل بين مكونات المجتمع ، تتكامل فيه القطاعات و تتحاور و تتواصل و تنقل وعيها و ارتسامها و ملاحظاتها و تجاربها إلى القطاعات الأخرى و وعي الآخر ... ... يكون الحدث الثقافي و الوطني مندمجا مع سيرورة المشروع التعليمي مدعما لاهدافه و متوافقا مع قيمه و مبادئه ...
المعالجة التربوية و البيداغوجية :
ستكون مقاربة شمولية يتم تنزيلها عموديا لكي تطبق أفقيا على مستويات عدة و متدرجة عبر مراحل تشكل و تكوين و تعليم و تربية شخصية المتعلم (ة) ... سيحضر فيها تصور علماء النفس و التربية و السوسيولوجيا و الثقافة و الاقتصاد و الفلسفة ... طبعا مجالات تتقاطع كلها مع حقل التربية و التعليم ... سيحضر السياسي كما الاقتصادي و المالي و الاداري ، المرتبط بالسياسة التعليمية و التمويل و التجهيز و المراقبة و المتابعة لانجاز المشاريع ...و طبعا كما ستكون و تكون هيئات التفتيش و المراقبة التربوية ، يجب أن تكون هيئات المتابعة و المحاسبة السياسية و المالية ...
إن المقاربة الشمولية التربوية و البيداغوجية ، لن تعني التعامل مع نوعية المقررات و المناهج فقط ، بقدر ما ستهتم كذلك بدوائر الاشتغال مع شخصية المتعلم(ة) ، و التنسيق معها و تأطيرها ، و جعلها متكاملة في مشروع ـ هدف تكوين مواطن اليوم و الغد ، تكوين شخصية مواطنة عند الجميع و من طرف الجميع ... و بهذا المنطلق يكون تتبع سلوك المربي و المعلم في كل مؤسسة معنية بالتربية بغية جعله يخدم هذا التصور العام و المنهج العام الذي نريد إبداعه كثمرة مع شخصية المتعلم(ة) ـ الإنسان ـ المواطن ... و هي دعوة للخروج في نفس الآن من التصور الضيق الذي يرى في التعليم ثقلا ماديا و ماليا أو قطاعا غير منتج ... فالمعادلة الحقيقية هي كون من يريد رؤيته غير منتج يعني أنه يرى فيه استثماره الخاص المشاريعي و المالي ... في حين أن الاستثمار في الإنسان هو أفضل شيء يحقق التنمية الشاملة للبلاد و الوطن ...
لقد تطور الفكر البشري و الأممي داخل منظومات تقارب موضوع التنمية و حقوق الإنسان بأبعاد جديدة تستفيد من تجارب ماضية و تريد تحقيق تطور حقيقي و فعال للشعوب الإنسانية ... لقد رأى الخبراء من خارج الغابات ما يقع من عمليات افتراس و اختلاس للمال العام في مجموعة من الدول ، وما يقع من هدر للجهد و الطاقات و الثروات منفلتة من الاستفادة المحلية و الداخلية لشعوب ... و طبعا رؤية و تصور الغابات بحكم منطق قانون الغاب الذي يسود في بعض الدول بدل دولة الحق و القانون ... و لعل سحب الثقة من المؤسسات الرسمية في التعاقد معها حول مشاريع و التحول إلى مؤسسات المجتمع المدني يحتوي شقا مرتبطا إنسانيا بتقريب الخدمة لمستحقيها بدل جهل مؤتمن ينهب منها ... و جعل التنمية استثمارية بدل أن تكون مساعداتية تصدُّقِية ...
انتقاد الخارج علة في الداخل يجب علينا استئصالها و معالجتها ... هذا يعني أن القطاع التعليمي يستطيع أن يكون أفضل لو ابتعدنا عن التضييق عليه ، و عن اعتبار الأولويات الطبقية و السياسية الخادمة لمشروع طبقة حاكمة أو جهة مستفيدة من الوضع المتأزم الحالي ...
التصور الشمولي يجعل كل سياسة إدارية أو جمعوية أو قطاعية أو جماعاتية ، تأخذ بعين الاعتبار أولوية التعليم و التربية ، و ضرورة توفير اللازم لوجيستيكيا و ماديا و معنويا و خبراتيا ، من أجل تكوين مواطن الغد و اليوم ...
هي ملاحظات لا يمكنها ان تتصور برامج عملية و بيداغوجيا منزلة دون توفر معطيات و امكانيات و رغبة سياسية و شروط موضوعية و قيم ديمقراطية و تنموية مناسبة ... لذلك تبقى مساهمة ديمقراطية في نقاش منبعه غيرة كل واحد منا على قطاع حيوي يهتم بالإنسان أولا ، و الإنسان أولا و أولا ... كفى ركوبا على مصالح الشعوب من أجل ملء الجيوب بدءا بالمرشحين الصغار حتى المستوزرين الكبار ...
الجمعة يوليو 07, 2017 2:06 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» مفارقات غريبة وعجيبة في قطاع التعليم بالمغرب
الأربعاء يوليو 05, 2017 4:36 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» نقط سوداء في مدارس المغرب .. أقسام محشورة وأوقات مهدورة
الإثنين يوليو 03, 2017 3:12 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» الذلّقراطية والقابلية للإستحمار
الجمعة يونيو 30, 2017 1:00 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» بلاغ النقابة الوطنية للتعليم CDT حول الحركة الانتقالية الوطنية
الخميس يونيو 29, 2017 5:23 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» ما معنى اقتطاع agios ؟
الخميس يونيو 29, 2017 1:35 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» مجلس جطو يُعَري المدرسة العمومية .. اكتظاظ وأساتذة "سلايْتيّة"
الخميس يونيو 22, 2017 2:59 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» حصاد: توقيع محاضر الخروج لهذا الموسم يوم 28 يوليوز المقبل
السبت يونيو 17, 2017 5:46 pm من طرف Mohammed TAMESNA
» أخطر ما تنوي وزارة التعليم القيام به في المستقبل المتوسط: هام جدا
الأحد يونيو 11, 2017 3:22 pm من طرف Mohammed TAMESNA